مقالي هذا رسالة إلى شعب مصر بكافة فئاته ، و هي رسالة أراها ذات أهمية قصوى لأنها تمس الدولة و مستقبل شعب و محورها النزاع الدائر الآن بين القضاة و المحامين ، و الذي بلغ ذروته الأخيرة يوم الأحد الموافق 20 يونيو 2010 بعد إصدار محكمة جنح مستأنف طنطا قرارها بتأجيل الجنحة المتهم فيها المحاميان إيهاب ساعي الدين و مصطفى فتوح لجلسة 4 يوليو 2010 مع إستمرار حبس المتهمين ، و قد لاقى القرار ثورة عارمة بين المحامين من أسوان إلى الإسكندرية و المؤلم في الأمر أن الثورة ضد القضاء المصري !؟
و الواقع أنني مع بداية الأزمة تعاطفت بطبيعة مهنتي مع المحامين و ثورت ثورة عارمة على حبس زميلين في المهنة و لكن :
بعد تفكير عميق وجدت نفسي أغوص في الأزمة و أبحث في أسبابها ، كما درست مع الأزمة كافة الظروف المصاحبة لها و سألت نفسي سؤالاً و هو / من المستفيد من تصاعد أحداث أزمة القضاة و المحامين ؟ و من المتضرر منها ؟ و حتى أصل إلى الإجابة تبحرت بأسلتي يميناً و يساراً محاولاً الوصول إلى حل اللغز الذي أعتقد أن الكثيرين لم ينتبهوا إليه ، و يجب أن تكون إجابتي منطقية مبنية على أسباب واقعية ، و حتى أصل إلى الإجابة بدأت في عرض للصورة العامة للأزمة و كانت كالآتي :
1- الأزمة ليست الأولى من نوعها و إنما تتكرر كل يوم في أكثر من مكان نيابات كانت أو محاكم .
2- كافة الأزمات السابقة كانت تحل عن طريق التصالح نتيجة تدخلات شيوخ المهنة من الجانبين .
3- أزمة محكمة طنطا التي إشتعلت إلى ربوع الجمهورية على مستوى النقابات العامة و الفرعية للمحامين ، لم تجد طريقاً إلى الحل ، في حين أن هاتف بسيط من أحد كبار الدولة إلى كلا الطرفين كان كفيلاً لحل الأزمة ، و لكن هذا لم يحدث ؟
4- لأول مرة تبتعد وزارة الداخلية عن التدخل في الصراع الدائر بين المحامين و القضاة ، و هنا يثور تساؤل آخر .. لماذا رفعت وزارة الداخلية يدها عن الأزمة ؟!
و بالنظر إلى الصورة الأولى و الثانية .. فإن الأزمة حدثت مئات المرات من قبل و في كل مرة كان المخطئ إما يلقى جزاءه أو تنتهي المسألة بالتصالح ، أي أنه صراع قائم نظراً لأن المحامين و القضاة و أعضاء النيابة العامة ، بشراً و ليسوا ملائكة و أمر طبيعي أن يحدث صراع هنا أو هناك .
و بالنظر إلى الصورة الثالثة فإن أزمة محامين و قضاة طنطا تبدو مختلفة إذ أن كل من حاول التدخل لإطفاء لهيبها نجده يشعلها و يزيد من سكب البنزين على النار ! في حين أن هاتف من أحد كبار الدولة كان كفيل لإنهاء الأزمة و القضاء عليها خاصة و أن نقيب المحامين هو من أقطاب الحزب الوطني الديمقراطي و هو الحزب الحاكم ، كما أن رئيس نادي القضاة على النقيض تماماً ممن كان يسبقه في رئاسة نادي القضاة أي أن كلاهما رمز من رموز السلطة ، و مع ذلك يصرحان بتصاعد الأزمة !؟
و بالتمعن في الصورة الرابعة ، نجد أنها المرة الأولى التي ترفع فيها وزارة الداخلية يدها عن التدخل في الصراع ، ليس هذا فحسب بل نجد أن العاملين في وزارة الداخلية يظهرون تعاطفاً مع المحامين تارة و تارة أخرى مع القضاة أثناء سير إجراءات المحاكمة !؟ و لا نعلم لمصلحة من رفعت تلك الوزارة يدها ؟!
بعد هذا العرض علينا أن نبحث عن الدور السياسي لكال من المحامين و القضاة حتى نعرف ما إذا كانت الأزمة و تصاعدها مهني أم أن هناك أياد سياسية تعبث بالمسألة ؟
و نبدأ أولاً بالمحامين .. فنجدهم كانوا و ما زالوا هم حصن الدفاع الأول عن الديمقراطية و حقوق الإنسان ، كما أن المجتمع المدني يشغل المحامين فيه الجانب الأكبر ، و هم أصحاب الكلمات المسموعة محلياً و دولياً ! كما أن الأحزاب السياسية غالبيتها أيضاً هم من المحامون ، و بهذة النظرة الواقعية يتضح مدى تأثير المحامين و أهميتهم في المناخ السياسي العام .
أما القضاة فإنهم صمام أمان الوطن و كانوا حراساً على شفافية العمل السياسي من خلال إشرافهم على العملية الإنتخابية قبل التعديلات الدستورية الأخيرة و كان لهم الفضل في كشف العديد من التجاوزات و التزوير الذي كان يمارس من قبل النظام ، كما أنهم كانوا و لا زالوا الملاذ الأخير للضعفاء في إقتناص حقوقهم من الكبار الأقوياء ، و لهم إحترام في نفوس الشعب المصري ، إلا أن قدراتهم في الدفاع عن الديمقراطية قد تقلصت بعد التعديلات الدستورية الأخيرة .
نأتي الآن إلى سؤال آخر و هو / ما طبيعة العلاقة بين القضاة و المحامين قبل أزمة طنطا ؟
نجد أن العلاقة وثيقة بحكم الرباط الأبدي بين الطرفين في العمل فكلاهما لا يستطيع العمل بدون الآخر ! كما أن المحامين كان لهم دور رائد و مشرف مع أزمة القضاة عام 2006 و إستطاع المحامين تعزيز موقف القضاة في كافة المنابر الدولية و المحلية ، كان المحامون أصحاب الأصوات العالية بالمطالبة بإشراف القضاة على الإنتخابات .. أي أن العلاقة بين كل من كليهما كانت في أحسن أحوالها قبل نشوب الصراع الأخير .
أما عن علاقة كلا الطرفين بالناس فسنجد أن المحامين هم الأقرب للشارع عن طريق حقهم في ممارسة العمل السياسي و الوصول إلى جميع فئات المجتمع ، كما أنهم أيضاً أصحاب كلمات مسموعة دولياً عن طريق إشتغالهم بالمجتمع المدني خاصة في شقيه الأهم "حقوق الإنسان و الديمقراطية" و كان المحامون يطالبون بالإشراف القضائي على الإنتخابات قبل نشوب الصراع الأخير ، و كانت و لا زالت توجد ضغوط دولية على الدولة في ضرورة تعزيز دور القضاء و تعزيز إستقلاليته ، و قد نال القضاء المصري إحترام دولي كبير بسبب مواقف المحامين المشرفة معهم .
و اليوم و نحن أمام أزمة لا يعلم مداها إلا الله فإننا يجب أن ننظر إلى المسألة بشكل عملي من حيث المكسب أو الخسارة بالنسبة لطرفي الأزمة و لو نظرنا إلى المحامين فإنهم قد أظهروا قوتهم و كشروا عن أنيابهم تجاه القضاه ، و بالمثل فعل القضاة إذ أصروا على موقفهم بضرورة القصاص من المحامين ، و هنا يخسر القضاة المعركة للأسباب الآتية :
1- أن المحامون هم الأقرب لجميع فئات الشعب كما ذكرنا و بالتالي لهم كلمة مصدقة عند الناس و بالتالي لهم تأثير خطير على القضاة على المستوى الإجتماعي .
2- أن المحامون هم الأعلبية في الأحزاب السياسية و يستطيعون الطعن في القضاء على المستوى السياسي المحلي .
3- و المحامون أيضاً هم الفئة الأكبر في المشتغلين بالمجتمع المدني و بخاصة مجالي الديمقراطية و حقوق الإنسان و لبياناتهم و تصريحاتهم تأثير دولي كبير .
4- تعداد المحامين كبير لدرجة أنه يتخطى رقم 400000 محام و هو رقم مخيف بالنسبة للقضاة خاصة في ظل تصاعد الأحداث إذ أنهم يستطيعون النيل من القضاة بشكل قانوني يضر في النهاية بمصالح القضاة أنفسهم .
أما القضاة فإنهم يملكون إصدار الأحكام القاسية على أي محام يخطئ أو يتجاوز سواء في حقهم أو حق الغير ، و من هنا قوة القضاة أقل من المحامين إذ أنهم لن ينالو إلا من فئة قليلة من المحامين اللذين يقعون تحت طائلة القانون فقط ، كما أنهم محرومون من ممارسة أي عمل سياسي ، و أيضاً محرومون من الظهور الإعلامي و الإتصال المباشر مع الناس على المقاهي و خلافه .
إذاً القضاة هم الخاسر في المعركة .. حتى و إن أصدروا حكماً قاسيا على المحامين اللذين قاموا برد الإعتداء على مدير نيابة طنطا ! ففي نهاية الأمر سيدفع الثمن 2 من المحامين الثمن ، بينما سيدفع الثمن من القضاة كل القضاة و هنا يكمن الخطر الذي يريد النظام الوصول إليه .
الأمر الأول / إن النظام الحاكم عانى من صداع كاد أن يقضي عليه بسبب القضاة عام 2006 و لا زال يعاني من صداع مزمن يطالب بالإشراف القضائي على الإنتخابات .. و ها نحن مقبلون على أهم إنتخابات في منعطف تاريخي خطير و هي الإنتخابات البرلمانية 2010 و إنتخابات الرئاسة 2011 ، و لم و لن يجد النظام خير و أفضل من المحامين للقضاء على بالون القضاء الذي لم يتمكن النظام من تصفيته ، أما و أن الضربة الآن تأتي من المحامين و اللذين يدافعون عن كرامتهم ضد عند القضاة و إصراره الغير مبرر ، فإن النظام لن يكون مطالباً فيما بعد بأن يجعل القضاة يشرفون على الإنتخابات ، إذ أنه بعد الأزمة لن يجرؤ محام على المطالبة بالإشراف القضائي على الإنتخابات .
الأمر الآخر / سيكون القضاة فريسة سهلة للنظام و سيكون النيل منهم من خلال النظام أمر أسهل من مرور السكين في الزبد ، إذ أن المحامين لو قرر القضاء النيل منهم عن طريق الأزمة الأخيرة فإنهم بكل تأكيد سيكونون بعيدين عن أي تضامن مع أي قاض شريف ، و بالتالي سيخسر القضاة أهم قوة كان يمكن أن تساندهم و هم المحامون ، كما أن المحامين لن يكفوا عن الطعن في القضاة محلياً و دولياً .
في نهاية الأمر نجد أن المستفيد الوحيد من الأزمة هو النظام الحاكم نفسه إذه أنه سيقضي على صداع ظل يؤلمه و هم القضاة ، من خلال ثورة المحامين .
لذلك
فإنني أرى أن ينتبه المحامون و القضاة إلى الخطر المحدق القادم و الذي يستهدف مصر و المصريين جميعاً ، إنه خطر يهدف إلى منع التقدم نحو الديمقراطية و التي ستكون هي ثمن النزاع بين الطرفين ، و أرجوا من كل من يقرأ مقالي هذا أن يحاول التدخل لإنهاء الأزمة فالخاسر في النهاية هما / الديمقراطية و محاميان سيدفعان الثمن ، و خطر الإقتراب من التوجه نحو الديمقراطية سيضر بمصر و لن يضر بفرد .
أقول قولي هذا و أستغفرو الله لي و لكم
شادي طلعت